هل أنا مؤثر؟
في السنوات الماضية اعتاد بعض زملائي في مجال صناعة المحتوى على وصفي كشخص مؤثر، هذا الأمر الذي من داخلي لا أقتنع به بسهولة، والمسألة ليست تواضعًا مني في جوهرها، بل هي موضوعية شديدة.
صحيح أنني لن أرى نفسي بالطريقة ذاتها التي يرونني بها، لكن بمرور الوقت تعلمت احترام هذه الحقيقة وألّا أتجاهلها كليًا، فهذا الوصف لا يمنحني تشريفًا، فالتأثير ليس لقبًا تكتسبه وتضيفه إلى حساباتك على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه يمنحني تكليفًا، فمتى وُجد من يثق فيما أفعله ويؤثر به، فعليّ أن أكون على قدر المنتظر مني، أو على الأقل أحاول.
ما الذي يعنيه أن أكون مؤثرًا؟
ولأنني تعلمت احترام ذاتي قبل الآخرين؛ فرض عليّ هذا الوضع سؤالًا مهمًا: ما الذي يعنيه أن أكون مؤثرًا؟ بصيغة أخرى: كيف أكون مؤثرًا حقيقيًا؟ وهذا التساؤل مهم، فإن أردت أن تكتسب حقيقة كوني مؤثرًا معنىً واقعيًا، فعليّ أن أفعل ذلك بطريقة صحيحة.
لا أقول بالطبع أن هناك خلطة واحدة للتأثير، لكن ما تعلمته أن أي مؤثر يجب أن يكون حقيقيًا في أفعاله، صادقًا مع نفسه، فهذا السبيل الذي يمكن أن يؤدي إلى ترك أثر قوي في الآخرين.
ومنذ بدأت رحلتي وأنا أؤمن دائمًا بأن إجابة تساؤلي هي؛ بالتأثير العميق لا التأثير الواسع، فإمّا أن يكون لديّ ما أقوله فعلًا، أو لا أقول، وما أقوله يجب أن يكون هدفه إحداث الأثر فعلًا ولا توجد أهداف أخرى من ورائه.
يبدو الأمر رومانسيًا جميلًا عندما أكتبه هكذا، لكن هل تنفيذه سهل؟
مواقع التواصل الاجتماعي: التشتت الذي يهدد الأثر!
مشكلة التأثير العميق أنه ليس التأثير الواسع. فالأخير يصل بك إلى أعداد كبيرة من الأشخاص، وترى بعينك التأييد والتشجيع من الكثيرين، ويكون لديك أعداد من المتابعين.
أمّا التأثير العميق فهو قائم على فكرة طاردة للأعداد، عندما تكتب محتوى مفصّل وعميق، فأنت تخسر الوصول إلى الكثير من الأشخاص في سبيل التأثير الحقيقي على عدد قليل.
ولأنّك بشر، فلا يوجد ما يقف بينك وبين التفكير أحيانًا في هذا الفارق، فتتساءل: لماذا قد أكره أن يصل كلامي إلى الكثيرين ويمتلئ محتوايّ بالإعجابات والمشاركات؟
والمشكلة الأكبر في عالم التواصل الاجتماعي، أنها لا تسحبك فقط عن معنى التأثير العميق، بل أصلًا قد تنحرف بك عن الطريق كاملًا دون أن تدري، فتدخل إلى عالم التشتت والفوضى، تكتب لأن الجميع يكتبون، تنسى الأثر أحيانًا لصالح أن تتكلم ويراك الآخرون، حتى وإن كان ما تكتبه هو أبعد ما يكون عن الأثر!
أود لو أترك أثرًا!
في النهاية أعود إلى نقطة البدء، لماذا أفعل كل هذا؟ أود لو أترك أثرًا! حتى وإن لم أعترف في داخلي أصلًا أنني أفعل ذلك حقًا، حتى وإن كنت سأظل أرى ما أفعله هو خطوة صغيرة في الرحلة، لكن في النهاية أنا أبحث عن هذا الأثر.
وبطبيعة الحال ما أنشده هو التأثير العميق لا الواسع، وهذا يعني أنه مهما كانت المبررات، ومهما أغرتني الأرقام والأعداد، فأنا أعرف جيدًا ما أريده، وما أريده هو أن أترك محتوىً عميقًا يصنع أثرًا، وإن كان ذلك في شخصٍ واحد فقط.
وهذه ليست رومانسية، لأنني تعلمت من رحلتي كيف أن هذا الأمر مرهقًا جدًا، لكن في النهاية هذا هو ما أريده لنفسي عندما أحدثها بصراحة ووضوح.
كيف أؤثر؟
اعتدت خلال السنوات الماضية على تطوير إجابتي للأسئلة، فأنا ابن التجربة والرحلة، واليوم بعد أكثر من 10 سنوات من بدء رحلتي الحقيقية مع التغيير قد وصلت إلى إجابة جديدة تتكون من ثلاث نقاط:
أولًا: التغيير الحقيقي يبدأ من تغيير الذات، ولذلك قررت البدء بنفسي والعودة إلى التركيز على ذاتي قبل أي شيء، الابتعاد قدر الإمكان عن مواقع التواصل الاجتماعي، والتركيز على التعلم والتطور أكثر، فهذا يجعلني أكثر هدوءً وإنتاجية.
ثانيًا: الكتابة الموجّهة قدر الإمكان، وهذا أمر أنوي فعله بصور متنوعة لا زلت أخطط لها إن شاء الله، ربما تكتمل الصورة بنهاية العام الحالي إذا كتب لنا الله البقاء حتى هذا الوقت.
ثالثًا: إطلاق العنان لأفكار كثيرة مؤجلة، والحرص على فعل ذلك بطريقة تناسب إمكاناتي الحالية، بما يحقق لي الاستمرارية في التأثير.
هل ستظل هذه إجابتي على السؤال؟ لا أعلم! لكن عزائي دائمًا هو رغبتي في التغيير، وإدراكي بأن ما حولنا هو وسائل لا غايات، فإن تبدلت الطرق لا مشكلة في ذلك، ما دامت الوجهة النهائية واحدة وواضحة.
كن أول من يعلق على المقالة