أتممت عامي الـ30 منذ شهر تقريبًا، وهي محطة مهمة في الرحلة، توقفت عندها لأسأل نفسي عما أنوي فعله في سنوات عمري القادمة إذا قدّر الله ورزقني طول العمر.
في العشر سنوات السابقة كان شعاري هو التجربة، وأظن أنني حققت نجاحًا في هذا، خضت تجارب عديدة بفضل الله، وعملت مع مؤسسات كبيرة في مشاريع قوية ومتنوعة.
وجدت بعد مراجعة النفس أنني الآن بحاجة للانتقال إلى خطوة أعلى، وأن تأخذ التجربة صورة أكثر اكتمالًا، تتخطى المحاولات الفردية، إلى محاولات تهدف إلى خلق أثر مستمر، ومن هنا كانت فكرة البناء.
فكرة الانتقال من التجربة إلى البناء
أقول دائمًا أنني ابن التجربة، ومحاولاتي أتت دائمًا من هذه النقطة، لم أضع قيودًا على نفسي أبدًا، وتركتني أجرّب أشياءً عديدة.
بعضها نجحت وحققت نتائج رائعة، والبعض الآخر لم يحقق ما كنت أتمناه، والكثير بقيّ قيد التخطيط لم يخرج إلى العالم، وهذا لأنني بالمناسبة أستمتع بالتخطيط والتفكير كفعل منفصل عن التنفيذ.
لكن الفكرة هنا أن التجربة بنت معاذ، لكنها كانت محاولات متفرقة، لم تخلق أثرًا مستمرًا على المدى البعيد، فأصبحت أملك مجموعة من المهارات والموارد والمعرفة، لكنني بحاجة لأنتقل بها إلى خطوة أعلى في الرحلة.
ومن هنا رأيت فرصة البناء؛ توظيف كل ما أملكه في سياقات أكثر وضوحًا، فبدلًا من تشتت جهودي بين تجارب الآخرين، أركز على بناء تجارب خاصة بي أنا.
مثلًا، على مدار السنوات أصبحت أملك خبرات جيدة في عالم المحتوى والتدريب، الآن أتى الوقت لبناء عملي الخاص. صحيح أنني أطلقت محتواك قبل ذلك في عام 2022، لكن حتى مطلع العام الحالي لم تخرج محتواك عن إطار كونها تجربة بالمعنى القديم.
لكنها تحولت الآن إلى عمل أبنيه خطوة بخطوة، أولًا بالاستثمار في فريق عمل رائع نتطور معًا، وثانيًا بالتركيز الحقيقي على إطلاق منتجاتنا وأفكارنا واحدة تلو الأخرى تدريجيًا، فنقيمها ونحسنها ونطورها حتى تصل إلى النضج المطلوب.
النتيجة هي أنه في فترة التجربة كنا نقدم تدريبًا واحدًا باستمرار، وآخر قدمنا منه نسخة واحدة.
اليوم في مرحلة البناء وحتى لحظة كتابة هذه الكلمات، نقدم 6 تدريبات متنوعة، والأهم أن لدينا برنامجين تدريبيين مختلفين تمامًا لم يخرجا إلى النور بعد ولا يعرف عنهم أحد، هذا بالإضافة للعديد من الأفكار والمنتجات الأخرى.
على سبيل المثال، حتى الآن لدينا ميزة تنافسية مختلفة، نرى فيها محيطنا الأزرق الذي سنتميز به بمفردنا، لدينا رؤية كاملة عنها، لكننا نتمهل في خطواتنا، لأننا ندرك أن البناء يحتاج إلى خطوات، لا أن نفعل كل شيءٍ في لحظة واحدة.
ما التحدي في رحلة البناء؟
في حين تخلق رحلة البناء هذه شعورًا بالحماس والملكية لما نفعله، فإننا نواجه تحديًا رئيسيًا هو أنك في عالمٍ متسارع، وهذا أكثر ما يعطّل عن البناء، لأن كل شيء يتحرك فنحن نريد نتائج سريعة، أو على الأقل نشعر بهذه الرغبة.
مثلًا، من خطوات البناء التي قررتها على المستوى الشخصي هي الاستثمار في بناء هويتي الرقمية، لكنني أواجه تحديًا في وصول حسابي إلى الناس على فيسبوك تحديدًا، وهذا يجعل التفاعل معدومًا، ما يجعلني أفكر سريعًا في التوقف عمّا أفعله، وأكتفي بأنني بالفعل أحقق الكثير من أهداف هويتي الرقمية بما أملكه حاليًا.
وحتى إذا لم تكن هناك مشكلة في الوصول، فنحن عمومًا ندرك التحدي من وجودنا في عالم متسارع، ونعرف أنه يؤثر علينا أحيانًا، ويجعلنا نفكر في أننا لا نحتاج لهذا الجهد وما قد يترتب عليه من مشاعر إحباط وضغط، وأن نعود إلى المحاولات الفردية التي نضمن نجاحها وتحقق لنا ما نريد حاليًا.
لكننا -سواء في محتواك- أو أنا -في رحلة هويتي الرقمية- قررنا الثقة في الخطوات التي نأخذها، التركيز على هنا الآن، نفعل ما نظنه صوابًا، ونتعلم من تجربتنا، ونعرف أن ما نريده سيتحقق تدريجيًا في نهاية المطاف.
البناء هو تحول من فرصة تحقيق إنجازات سريعة ومتنوعة في أماكن مختلفة، إلى فرصة تحقيق إنجازات بطيئة ومحددة في مكان واحد، ولكننا نؤمن بأن هذا هو الأفضل، فالإنجازات مع الآخرين مهما كانت عظيمة هي للمدى القريب، أما الإنجازات فيما نملكه مهما كانت بطيئة فهي للمدى البعيد.
أخيرًا لا يقتصر الأمر فقط على هويتي الرقمية أو محتواك، لكنهما البداية إن شاء الله لسلسلة من عمليات البناء، ونسأل الله فيها النجاح والتوفيق.